فصل: الآية السابعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الآية السابعة:

قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} البقرة: 80.
وفي سورة آل عمران {قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} آل عمران: 24.
فإن قيل: فما الفرق بين اللفظتين؟ ولم كانت الأولى {معدودة} والثانية {معدودات} والموصوف في المكانين موصوف واحد وهو قوله: {أيامًا}؟
والجواب عنه أن يقال: إن الجمع بالألف والتاء أصله للمؤنث نحو مسلمة ومسلمات، وصفحة وصفحات، ومكسورة ومكسورات، ولا يجيء الجمع الذي واحده مذكر هذا المجيء إلا ألفاظ معدودة، نحو حمام وحمامات، وجمل سبطر وجمال سبطرات، وأسد سبطرات، أي: تسبطر عند الوثوب.
وأما قولهم: كوز مكسور، وجرة مكسورة، فإن ما فيه هاء التأنيث يجمع على مكسورات فيقال: جرات مكسورات، وكيزان مكسورة، وليس قولك: كيزان مكسورات بأصل، بل المستعمل المستمر في ذلك أن يقال: كيزان مكسورة وثياب مقطوعة و{سرر مرفوعة} و{أكواب موضوعة} و{نمارق مصفوفة}.
فالصفة الجارية على جمع المذكر الواحد يستمر فيه التأنيث على الحد الذي بينته.
وعلامة الجمع المؤنث الواحد: الألف والتاء في الأصل، فلما كان {معدودة} من الطرد المستمر، استعمل لفضها في الأول، ولما كان الجمع بالألف والتاء قد يكون فيما واحد مذكر وإن قل، فكان على سبيل من سبل المجاز، يستعمل ذلك فيه كقوله تعالى: {واذكر الله في أيام معدودات} [البقرة: 203] وقال: {في أيام معلومات} الحج: 28.
والأيام جمع يوم، وهو مذكر، فيكون هذا على أحد الوجهين، إما أن يكون المراد: اذكروا الله في ساعات أيام معلومات ومعدودات، لأن المراد أن يكبر الله تعالى في اليوم الواحد في أدبار الصلوات الخمس المكتوبة، فحذفت الساعات، وأقيم المضاف إليها مقامها، وإما أن يكون ألحق بما في واحد علامة التأنيث لاستوائهما في الجمع ودخولهما في الفرعية التي يكتسبان بها لفظ المؤنث.
فلما قيل: جرات مكسورة، والجرة مؤنثة جاز أيضا كيزان مكسورات حملا على الجمع الذي ليس بحقيقي، وإذا كان ذلك ف {معدودة} المذكورة في الآية التي في سورة البقرة مستمرة في بابها وباب غيرها، والجمع بالألف والتاء ليس بمستمر، وإنما هو على ضرب من التشبيه بما أصله الألف والتاء، فكان استعمالها أولا أولى، ولجواز الألف والتاء على غير طريق الاستمرار استعمل في الثاني ليشمل الأصل والجائز بالاستعمال.
فأما المعنى في القلة فسواء في قوله: {معدودة} و{معدودات} وقد قال أيضا {أيام معلومات} على أن تكون الأيام المعلومة في الأصل تسعة فثلاثة منها أيام معلومة، وثلاثة أخرى منها مثلها، وثلاثة ثالثة معلومة، فتجمع هذه الثلاثات على الأيام المعلومات، لأن واحدتها أيام معلومة، والمعلومة تجمع على المعلومات.

.الآية الثامنة:

قوله تعالى: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليهم بالظالين} [البقرة: 94- 95] وقال عز وجل في سورة الجمعة (6- 7): {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم}.
وللسائل أن يقول: هل في الآية الأولى ما يقتضي {لن} الناصبة، وفي الثانية ما يقتضي الاقتصار على {لا} ورفع الفعل بعدها؟
فالجواب أن يقال: إن الآية الأولى لما كانت مفتتحة بشرط علقت صحته بتمني الموت، ووقع هذا الشرط غاية ما يطلبه المطيع، ولا مطلوب وراءه على ما ادعوا لأنفسهم، وهو أن لهم الدار الآخرة خالصة من دون غيرهم وجب أن يكون ما يبطل تمني الموت المؤدي إلى بطلان شرطهم أقوى ما يستعمل في بابه، وأبلغه في المعنى، وينتفي شرطهم به، فكان ذلك بلفظة {لن} التي هي للقطع والثبات، ثم أكدت بقوله تعالى: {أبدا} ليبطل تمني الموت الذي يبطل دعواهم بغاية ما يبطل به مثله. ألا ترى أنه ليس بعد حصول الدار الآخرة خالصة لأمة من الأمم مقترح، ولا مطلب لمطلب.
وليس كذلك الشرط الذي علق به تمني الموت في سورة الجمعة، لأنه قال: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمكم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [الجمعة: 6]، وليس زعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، المطلوب الذي لا مطلوب وراءه، لأنهم يطلبون بعد ذلك إذا صح لهم هذا الوصف دار الثواب.
فلما كان الشرط في هذا المكان قاصرا عن الشرط في المكان الأول، ولم يكن الدعوى دعوى غاية مطلوبة، لم يحتج في نفيه وإبطاله إلى ما هو غاية في بابه، فوقع الاقتصار على {لا يتمنونه} وليس في لفظه معنى التأبيد، وإنما حصل ذلك فيه بمقارنته من قوله: {أبدا} فكان الأول أو كد وأبلغ، لأن لفظي الاسم والفعل للتأبيد.
فافترق الموضعان لهذا المعنى.

.الآية التاسعة:

قوله تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} البقرة: 120.
وقال في هذه السورة أيضا: {وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبله بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعدما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} البقرة: 145.
وقال في سورة الرعد (37): {ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله ولي ولا واق}.
للسائل أن يسأل فيقول: {ما} في هذه الموضع بمعنى {الذي} فما الفائدة في إخراج بعضها على لفظ {الذي} وإيقاع الآخر على لفظ {ما} وإدخال {من} في {بعد} في قوله تعالى: {من بعد ما جاءك من العلم} البقرة: 145؟
وهل بين قوله تعالى: {من بعد ما جاءك من العلم} وقوله: {بعدما جاءك من العلم} فرق؟ وهل بين {الذي} و{ما} فرق؟
والجواب عن ذلك أن يقال: نبين أولا الفرق بين {الذي} وبين {ما} ليصح الفصل ويظهر موضع كل واحد منهما، والمعنى الذي يليق بهما.
اعلم أن ما إذا كانت الذي فإنها توافقها، بأنها تبين بصلتها، وتخالفها في أشياء كثيرة، فتصير الذي متضمنة من البيان ما لا تتضمنه ما، فمن ذلك أنك تدخل على الذي أسماء الإشارة، فتكون الذي صفة لها كقوله تعالى: {آمن هذا الذي هو جند لكم} [الملك: 20] وقوله تعالى: {آمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه} [الملك: 21]. فيكتنف الذي بيانات: أحدهما: الإشارة قبلها، والآخرة الصلة بعدها، ولا يكون ذلك في ما لأنها لا يوصف بها كما يوصف بالذي، لا يقال: آمن هذا هو جند لكم.
والثاني: إن ما تنكر فيجري ما كان صلة لها صفة تبينها، وليس ذلك في الذي وهو كقوله في الشعر:
رب ما تكره النفوس من الأمـ ** ـر له فرجه كحل العقال

والثالثة: إن الذي تثنى وتجمع وتؤنث فتلحقها هذه العلامات بيانا لهذه المعاني، وما لا يلحقها ذلك، بل هي على لفظة واحدة في التثنية والجمع والتأنيث.
والرابع: إن الذي لزمتها أمارة التعريف، وهي الألف واللام، وليس ذلك ولا شيئ مما ذكرنا في ما ولشدة إبهامها خص التعجب بها، لأن سبب التعجب إذا استبهم كان أبلغ في معناه.
فإذا تبينت أن الذي وما التي بمعناها اسمان مبهمان ناقصان، فالذي تزيد على ما في وجود البيان التي ذكرنا، رجعنا إلى الآيات الثلاث، وبينا ما يليق من الاسمين بكل آية، فكان قوله تعالى: {بعد الذي جاءك من العلم} البقرة 120. أي: لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتها، ولن ترضى عنك النصارى حتى تتبع نلتها، وإتباع الملتين في عصر النبي، ولذلك قال الله تعالى: {قل إن هدى الله هو الهدى} أي: الإيمان الذي بعثك به هو الطريق المؤدي إلى رضا الله وإلى ثوابه.
ثم قال: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي نصير} البقرة: 120. فمنعه من إتباع الفرقتين بالعلم الذي حصل له بصحة الإيمان وبطلان الكفر.
و{الذي} في هذا المكان واقعة على العلم الذي ثبت به الإسلام، وصح به الإيمان، وكما أن هذا العلم مانع من الكفر الذي هو أكبر الذنوب، فالعلم الذي يمنع منه أفضل العلوم، فإذا عبر عنه بأحد هذين الاسمين المبهمين، وجب أن يختص منهما بالأشهر، إذا كان للعلم المحيط بالأكثر، وهو جملة الدين.
فأما الموضعان الآخران فليس القصد فيما عبر بلفظة ما عنه فيهما مثل القصد في الآية الأولى، وذلك أن قوله: {من بعد ما جاءك من العلم} جاء بعد خبر الله تعالى عن مخالفة أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم في القبلة، لأنه عز اسمه قال: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل الآية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} البقرة: 145، فمنع عز وجل من اتباع أهوائهم في أمر القبلة، وهو بعض الشرع بما حصل له من العلم بأن القبلة هي التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه إليها، فإذا كان ذلك بعض الشرع كان العلم بصحته بعض علم الشرع، ولم يكن كالعلم في الآية الأولى الذي هو محيط بكل الشرع وبكل الإيمان فلما كان واقعا على بعض ما وقع عليه الأول، لم يشتهر شهرته فعبر عنه باللفظ الأشهر.
وكذلك قوله تعالى في سورة الرعد 37: {ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق} إنما جاء بعد قوله: {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه} الرعد: 36، فنهى الله تعالى عن اتباع أهوائهم في البعض مما أنزل إليك، وهو الذي ينكره الأحزاب بما ثبت له من العلم بصحة هذا البعض الذي ينكرونه، كما ثبت له بباقيه.
فلما كان هذا العلم الذي عبر عنه بلفظة الذي صار كالشائع في أبعاض هي مجموعة في الأول الذي عبر عنه باللفظ الأشهر، فكان العلم المانع من اتباع أهواءهم فيه مثل ما عبر به عن ذلك.
فإن قال قائل: فكيف خص ما في القبلة بلفظة من فقال: {من بعد ما جاءك من العلم} البقرة: 145 ولم يكن ذلك في قوله: {بعد الذي جاءك من العلم} وهل لاختصاص هذا المكان بمن فائدة تخصه دون المكانين الآخرين؟
قلت: هنا فائدة تقتضي من وليست في الآيتين الأخيرتين، وهي: أن أمر القبلة مخصوص بفرائض مضيقة وأوقات مخصوصة لها في اليوم وفي الليلة مؤقتة، فخص بمن التي هي لابتداء الغاية، والقبلة شرع كان يجوز نسخه كما نسخ ما هو مثله، فكأنه قال هناك: {ولئن اتبعت أهواءهم} من الوقت الذي جاءك العلم فيه بالقبلة التي وليتها، وأمرت بالتوجه نحوها صوت من الظالمين.
فلما تخصص بوقت مضيق محدود لم يكن بد في المعنى من العلم بالوقت الذي نقل فيه عن القبلة الأولى إلى غيرها، وليس كذلك ما بعد قوله: {قل إن هدى الله هو الهدى} لأن العلم الذي وقع التوعد معه على اتباع أهواء أهل الكتاب لم يتخصص وجوب العلم به بوقت دون وقت إذ كان واجبا في الأوقات كلها، ولم يكن مما يجوز أن ينسخ لأنه علم بالإيمان، وصحة الإسلام، وبطلان الشرك والكفر، فلما لم يتخصص وجوبه بوقت دون آخر لم يحتج معه إلى لفظة من التي هي للحد وابتداء الغاية.
وكذلك الآية في سورة الرعد، لما كان العلم المانع من اتباع أهواءهم علما بأن جميع ما أنزل الله تعالى حق، وأن قول الأحزاب الذين ينكرون بعضه باطل، كان هذا أيضا من العلوم التي لا يتخصص الفرض فيها بوقت يجب حده بزمان بل هو واجب في الأوقات كلها، فلم يكن لدخول من في الآيتين مقتض كما كان له في الآية المتوسطة.
ومما يبين لك الأغراض التي أشرت إليها في الآي الثلاث، وأنها تجوز أن تكون مقصودة والله أعلم: ما اقترن من الوعيد بكل واحدة منها، فالموضع الذي منعه بعلمه من اتباع أهوائهم في قوله: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} البقرة: 120، هو منع من الأعظم الذي هو الكفر، فكان الوعيد عليه أغلظ، وهو قوله: {مالك من الله من ولي ولا نصير} البقرة: 120.
والآية الأخيرة أيضا، لما كان العلم بها مانعا من العمل بشطر من الدين، وترك شطر منه، كان مثل الأول في استحقاق الوعيد، وكان مثله في الغلظة، وهو قوله: {مالك من الله من ولي ولا واق} الرعد: 37.
وأما اتباع أهوائهم في أمر القبلة، فلأنه مما يجوز نسخه، فكان الوعيد عليه أخف من الوعيد على ما هو الدين كله أو بعضه مما لا يجوز تبديله وتغييره، فصار الوعيد المقارن له دون الوعيد المقرون في الموضعين الآخرين، وهو قوله تعالى: {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إن إذا لمن الظالمين} البقرة: 145 أي إن فعلت ذلك وضعت الشيء غير موضعه ونقصت الدين حقه فهذا الكلام في الفرق بين المواضع الثلاثة.

.الآية العاشرة:

قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا} البقرة: 126.
وقال في سورة ابراهيم 35: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا}.
للسائل أن يسأل فيقول: لم كان في سورة البقرة بلدا نكرة، وفي سورة ابراهيم معرفة؟
والجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن يقال: إن الدعوة الأولى وقعت، ولم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنه قال: رب اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، لأن الله تعالى حكى عنه أنه قال: {ربنا إني أسكت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم} [ابراهيم: 37] بعد قوله: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، ووجه الكلام فيه: تنكير بلد الذي هو مفعول ثان، وهذا مفعول أول.
والدعوة الثانية وقعت، وقد جعل الوادي بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيرته كما أردت ومصرته كما سألت ذا أمن على من أوى إليه ولاذ به فيكون البلد على هذا عطف بيان على مذهب سيبويه، وصفة على مذهب أبي العباس المبرد وآمنا مفعولا ثانيا، فعرف حيث عرف بالبلدية، ونكر حيث كان مكانا من الأمكنة غير مشهور بالتميز عنها بخصوصية من عمارة وسكنى الناس.
والجواب الثاني: أن تكون الدعوتان واقعيتين بعد ما صار المكان بلدا، وإنما طلب من الله تعالى أن يجعله آمنا، وللقائل أن يقول: اجعل ولدك هذا ولدا أديبا، وهو ليس يأمره بأن يجعله ولدا، لأن ذلك ليس إليه، وإنما أمره بتأديبه، فكأنه قال: اجعله على هذه الصفة، وهذا كما يقول: كن رجلا موصوفا بالسخاء، وليس يأمره بأن يكون رجلا، وإنما يأمره بما يجعله وصفا له من السخاء، فذكر الموصوف وأتبعه الصفة، وهذا كما تقول: كان اليوم حارا، فتجعل يوما خبر كان، وحارا صفة له، ولم تقصد أن تخبر عن اليوم بأنه كان يوما، لأنه يصير خبرا غير مفيد، وإنما القصد أن تخبر عن حر اليوم، فكان الأصل أن تقولك كان اليوم حارا، وأعدت لفظ يوم لتجمع بين الصفة والموصوف، فكأنك قلت: كان هذا اليوم من الأيام الحارة، وكذلك تقول: كانت الليلة ليلة باردة، فتنصب ليلة على أنها خبر كان وحكم الخبر أن يتم به الكلام، ولم قلت: كانت الليلة ليلة لم يكن الكلام تاما، لأن القصد إلى الصفة دون الموصوف فكذلك قوله تعالى: {رب اجعل هذا بلدا آمنا} البقرة: 126 يجوز أن يكون المراد: اجعل هذا البلد بلدا آمنا، فيدعو له بالأمن بعد ما قد صار بلدا على ما مثلت، ويكون مثل قوله: {اجعل هذا البلد آمنا} إبراهيم: 35، وتكون الدعوة واحدة قد أخبر الله تعالى عنها في الموضعين.
فأما قول من يقول: إنه جعل الأول نكرة، فلما أعيد ذكرها أعيد بلفظ المعرفة، كما تقول: رأيت رجلا، فأكرمت الرجل، فليس بشيء، وليس ما ذكره مثلا لهذا، ولا هذا المكان مكانه.